(قصة قصيرة)
(كل الكفوف حمراء)
بقلم : عبدالعزيز الحشاش
للحناء عطر ذكرى قديمة، في الكفوف، في أقدام الجدات المتشققة، وفي جديلة والدتها السمينة. واليوم لها رائحة غريبة، عبق لا تكاد تستنشقه حتى ترى لونه الأحمر يقفز أمام عينيها..ويذكرها بتلك الليلة.
* * *
طق طق طق .. خطوات الكعب على السلم الرخامي تعزف لحنا جنائزيا كريها، كأنها كانت تعلم ثمة أمر ما يحدث هناك في الشقة. اقتربت من باب الشقة، رائحة دماء تفوح من تحت فتحة الباب، جثة ما متعفنة بالداخل.
حبست غصة فزعها..فتحت الباب ودخلت.
* * *
أحمر الشفاه يرسم لونه الفاقع على شفتيها المرتجفتين. انعكاس صورتها على مرآة الصالون يعكس بقايا فزع، حبسته مع غصتها.
* * *
كانت غارقة في دمائها، بقايا آثار كفوفها ملطخة بدمائها على حوائط البيت، كانت تحاول الوصول إلى باب الشقة لتستنجد بسكان العمارة، الطعنات متناثرة في جسدها الهش في كل مكان، حتى ملامحها اختفت تحت سيل دماء رأسها. وسقطت عند الباب. دخلت هي وحملت رأسها بين يديها..أطلقت صرخة طويلة..بينما لمحت صورة قديمة على حائط الصالون
جمعتهما بمريول المدرسة.
* * *
صبغ الأظافر الأحمر يتسرب إلى أصابعها بانسيابية وبراعة تحت يدي الماكييره، بينما في قلبها يتسرب ألم مازال رطبا، ووجه شقيقتها ملطخ بالدماء الحمراء.. كصبغ أظافرها.
* * *
بعد العزاء بأيام أتاها الشقيق الأكبر، ثم ما لبث أن انضمت له أمها، ثم أشقاؤها وشقيقاتها، حتى تجمعت العائلة كلها، وقالوا بصوت واحد:
- أبناء المرحومة بحاجة لأم ترعاهم..ولا تصلح لهم أم غير خالتهم..
لم توافق ولم تعترض، اكتفت بالصمت، فكان علامة الرضا في عيونهم، بينما هي مازالت ترى وجهها ملطخا بالدم يغرق بين يديها.
* * *
هتفت إحدى الصديقات داخل الصالون :
- وصلت سيارة العروس..المعرس ينتظر في الصالة.. نهضت صامتة، خرجت إلى السيارة، صعدتها والزغاريد تتبعها، انطلقت بها إلى صالة الأفراح .. بينما انطلقت عيناها تتشبث في كل إشارة حمراء تصادفهم في الطريق لتعترضها فتذكرها بوجه المرحومة غارقة في دمائها.
* * *
- من قتلها ؟..
سألته ذات يوم حين كانا في خلوة الخطوبة.
- اعتبريه سر سيدفنه الزمن..كما دفنها.. لاح في عينيه بريق كريه، مكر خبيث، فعرفت دون عناء للبحث عن
إجابتها الضالة أنه .. هو الفاعل.
* * *
"هب السعد .. هبايب الرياحي".. تسير بطئ إلى الكوشة، والكفوف من حولها تعلو وتهبط معبقة برائحة الحناء، تصفق وتزغرد، الطريق إلى الكوشة ممهد بسجادة حمراء، كل الكفوف من حولها حمراء .. ووجه المرحومة أحمر، غارقا في دمائه. وهو ينتظرها في نهاية طريقها.. والكفوف من حولها حمراء حمراء .. وصلت إلى الكوشة .. تكاد تصل .. مد لها يده لتصعد إلى قربه .. سحبت يدها سريعا .. صرخت وهي تضرب الكفوف الحمراء من حولها بباقة وردها .. ضاع صدى صراخها .. تمتد الكفوف الحمراء لها .. وتشدها من كل جانب .
- تمت -